( محمود حماد – فنان تشكيلي سوري ( 1988 – 1923 م
محمود بن أمين حماد ، فنان متعدد المواهب ، كان مصوراً وحفاراً و مصمم ميداليات ونصب معمارية . ولد في دمشق وتوفي فيها، ظهرت موهبته الفنية من حداثته ، درس المرحلة الابتدائية في المدرسة الإيطالية بدمشق ، والمرحلة الثانوية في تجهيز دمشق الأولى ( جودت الهاشمي ) ، وكان يلقى تشجيعاً من المشرفين على تدريس الفن في كل مرحلة من المرحلتين ، فتميز بين التلاميذ بإجادة الرسم والتلوين ، كما تفَوق في كل المقررات العلمية والأدبية وأتقن الإيطالية والفرنسية الى جانب العربية
سافر محمود حماد الى إيطالية في سن السادسة عشرة ، بغية الاطلاع على الفن ودراسته وسرعان ما اضطرته ظروف الحرب العالمية الثانية للعودة الى سورية ، فقام في أواخر سنة 1939 بعرض مجموعة لوحاته في إحدى قاعات معهد الحقوق بدمشق (بناء وزارة السياحة حالياً) . وفي تلك الحقبة ؛ التقى الفنان نصير شورى (1992-1920) وتوطدت بينهما صداقة استمرت حتى أواخر عمريهما فاشتركا في عام 1940 بتأسيس مرسم فيرونيز في إحدى حارات شارع العابد بدمشق مع عدد من رواد الفن التشكيلي في سورية
كما شارك كل من حماد وشورى نحو 1948 بتأسيس <<الجمعية السورية للفنون >> في شارع أبي رمانة وكان نصير شورى قد اقتنى في ذلك الوقت مرسما في حي الروضة ، فأقام محمود حماد فيه ، وصار يتردد على المكان الناشئة من الفنانين للتعلم و الاستزادة وقد أقام الفنانان معا معارض عدة مشتركة كان احدها في << نادي السعد >> في حلب 1951 ، المدينة التي كان حماد يدرَس الفن في ثانوياتها . ومن لوحات حماد التي لفتت النظر في ذاك المعرض لوحتا قارئة الفنجان و أمير البزق
شارك حماد في معرض الخريف الأول الذي أقيم في متحف دمشق سنة 1950 ونال الجائزة الاولى على لوحة << معلولا >> ، وشارك في معارض الخريف المتوالية . وفي عام 1953 ، أقام معرضا فرديا في مقر الجمعية السورية للفنون ، وفي العام نفسه أوفد الى روما لدراسة فن التصوير الزيتي في اكاديمية الفنون الجميلة فدرس فن التصوير الجداري وفن الحفر وفن الميدالية . وشارك إبان اقامته في إيطالية في عدد من المعارض وحصد مجموعة من الميداليات والجوائز . وفي روما توطدت علاقته بالفنان ادهم اسماعيل ( 1963 – 1922 ) وقاما معاً برحلة الى اسبانيا للاطلاع على الفن العربي الاندلسي ، وقد كتب عن تلك الرحلة في مذكراته
تزوج محمود حماد الفنانة التشكيلية اللبنانية درَية فاخوري . عاد محمود حماد من روما سنة 1957 بعد ان أنهى دراسته فيها ، وعين مدرسا للتربية الفنية في مدينة درعا ، وبقي فيها سنتين أنتج إبانهما مجموعة من الأعمال الفنية تطرق فيها الى الموضوعات الاجتماعية المستوحاة من بيئة حوران
وبعد ذلك عاد الى دمشق سنة 1960 ليشارك في تأسيس كلية الفنون الجميلة وتأليف مناهجها ، تولى عمادتها من سنة 1970 حتى سنة 1980 ، فكان له نهجه المتميز في العمل و أسلوبه في توجيه القائمين على التدريس انطلاقا من ثقافته العامة الواسعة ، ومعرفته الشمولية في مختلف حقول الفن التشكيلي . وكان يصوب مسار التدريس مستقطبا مختلف الطروحات بسداد في الرأي ، و حنكة في الادارة ، إضافة إلى أداء متميز في تدريس التصوير و الحفر لا يزال يذكره طلابه الذين تخرجوا عليه
وكان من إنجازات محمود حماد المهمة ، أثناء توليه عمادة الكلية ، الشروع ببناء كلية الفنون الجميلة الحالي حسب مخطط كان له اليد الطولى في توجيه مستلزماته مع المعماريين الايطاليين وإقرارها
حصل محمود حماد في أثناء عمله في الكلية على منحة الاونسكو سنة 1967 مدة ثلاثة أشهر في كل من روما وباريس والتقى في أثنائها عددا من الفنانين الاوروبيين المعاصرين ، كما أقام في مركز التوثيق الدولي في باريس معرضاً لأعماله
وقد شكل محمود حماد في السبعينات << جماعة دمشق >> مع كل من نصير شورى وإلياس زيات كانت نواة للفن التجريدي في سورية ، وأقام الفنانون الثلاثة معرضاً مشتركاً للوحاتهم
مقومات اسلوبه الفني ومراحله
يتصف اسلوب محمود حماد بالرصانة في بناء العمل الفني والشاعرية اللونية ، اذ استطاع بموهبته الفذة وحسه اللوني المتميز ، إحكام وزن العناصر الشكلية واللونية بمهارة الصائغ وإبداع العازف . فقد عرف التقاليد الاكاديمية وأتقنها ، وألم بأساليب الفن الحديث المعاصر ، ومن هنا جاءت فرادته في المحيطين السوري والعربي ، وتميز في المعارض الفردية والجماعية التي شارك فيها
وقد مرَ انتاج محمود حماد بمراحل اربع
تمتد المرحلة الاولى بين عامي 1939 و 1953 ، وقد غلب عليها الطابع الواقعي الانطباعي وامتاز إنتاج هذه المرحلة بجودة المعالجة دون الاستسلام الى حرفية الدلالات الواقعية للموضوع . واذا ما كان الموضوع رمزيا رأينا في اللوحة نزوعا سريالياً كما في لوحة <<التاريخ>> التي صور فيها وجها شيخاً الى جانب صفحات كتاب قديم . ورأينا مثل ذلك في الرسوم التي كان يرسمها في تلك الاونة لمجلة الشرطة
واما المرحلة الثانية فتمتد من سنة 1953 الى سنة 1957 وهي مرحلة ايطاليا وفيها يقول : <<في روما تفتحت أمامنا السبل الأوسع للفن والثقافة ، وأصبحت هذه المرحلة بالنسبة لي فترة دراسة أكثر مما هي مرحلة بحث عن أسلوب خاص ، إنها محاولة لفهم أعمق لما يجري في عصرنا من تجارب فنية >> . وقد حقق في تلك المرحلة كثيراً من المناظر الإيطالية ودراسات في الجسم العاري والوجوه
واما المرحلة الثالثة فهي بين سنتي 1958 و 1963 ، وفيها المدة التي أمضاها في درعا وتعد مرحلة مهمة في تجربته الفنية لأنه بدأ يفتش فيها عن خصوصيته بعد دراسته الأكاديمية ، وقد عالج المواضيع الإقليمية متأثراً بالجنوب السوري في درعا ومحيطها الاجتماعي والأثري ؛ كما تفاعلت تجربته في هذه المرحلة بالاحداث السياسية وإقامة الوحدة بين الإقليمين السوري و المصري 1958 ، فأنجز لوحة << شباط 1958 >> التي صور فيها ولادة جديدة لشخص نتيجة الاندماج بين شخصين ، ولوحات عن القضية الفلسطينية . نذكر من اعمال تلك المرحلة << فتاة من حوران >> 1959 و<< المصاب>> 1958 و <<الجندي الجريح في ميسلون >> 1961 و <<النزوح>> 1961 و <<شريعة الغاب >> 1958 . وقد غلبت على لوحات تلك المرحلة اللغة التشكيلية المتطورة ، أي البناء الهندسي التحليلي و الخطوط والألوان المسطحة
واما المرحلة الرابعة فهي بين سنتي 1964 و 1988 ، وهي المرحلة التي استكمل محمود حماد فيها عناصر الاسلوب الذي التزم به في مطافه الاخير ، الا وهو الكتابة العربية وتحولاتها في اللوحة بحيث تشكل العنصر الاساس في البناء والتعبير ايقاعاً واداءاً وجرساً لونياً . ومع نعت هذه المرحلة ب << التجريدية >> فأنها تشكل انعطافا مفاجئا في نتاج محمود حماد ، بل أنه دأب على التطلع اليها والإعداد لها منذ المرحلة التشخيصية التي سبقتها . وإذا كانت دلالة الكلمات المستخدمة في اللوحة الكتابية واضحة في البداية مثل << دمشق >> أو << لا غالب الا الله >> فإن ذالك الوضوح أخذ يتنحى فاسحا المجال إلى تركيب تشكيلي مبني بإحكام معماري راسخ ، وموسيقي في منحناه المتحول ولكن معناه يبقى مقروءا بشئ من العناء ؛ فالغاية كانت عمل لوحة معاصرة مفتاحها الحرف العربي الذي وجد حماد فيه عنصرا مطواعا لتأليفاته المعبرة عن واقع جديد وهو واقع اللوحة نفسها وتكاثف لحظات الأبداع فيها
وقد تزامن فن الحفر عند حماد مع فن التصوير ، فأنتج فيه إنتاجا معبرا عن كل مراحل فنه التي ذكرناها . وقد أتاحت معرفة الفنان بتقنيات الحفر الملون إمكانية تصميم الطوابع ، وله في ذلك مجموعات كثيرة من الطوابع التذكارية السورية التي تم إصدارها في مناسبات عدة
ترك محمود حماد مجموعة من الميداليات عالج فيها موضوعات قومية واجتماعية ، وقد كلف في هذا المجال من المجلس النيابي في الجمهورية العربية السورية بتصميم وسام بطل الجمهورية الذهبي وهو النسخة الوحيدة التي صيغت وأهديت الى الرئيس الراحل حافظ الأسد سنة 1974
وعالج محمود حماد التصميم النصبي ، ومثال ذلك النصب الرمزي في مقبرة الشهداء في نجها ونصب اخر في معرض دمشق الدولي وكذلك نصب الجندي المجهول في قاسيون
نال محمود حماد الجائزة الاولى في معرض << انتراغرافيك >> في المانيا سنة 1976
والجائزة الاولى في مسابقة المجلس الأعلى للفنون والاداب في سورية سنة 1977
كذلك في سنة 1975 نال وسام الجمهورية الايطالية بدرجة فارس
منحته الدولة وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الاولى سنة 1989 بعد وفاته
وكان قد عمل خبيرا في قسم التربية و الفنون في الموسوعة العربية السورية منذ نشأتها عام 1981 وحتى وفاته
بقلم الياس زيات
محمود حماد – الموسوعة العربية السورية